الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا). متفق عليه. زاد أحمد في روايته عن عبد الرزاق: (فقلت لمالك: أما تكره أن تقول العتمة قال: هكذا قال الذي حدثني). قوله: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) أي من مزيد الفضل وكثرة الأجر. قوله: (لأتوهما) أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد. قوله: (ولو حبوا) أي زحفًا إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير. ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء (ولو حبوا على المرافق والركب). الحديث يدل على استحباب القيام بوظيفة الأذان والملازمة للصف الأول والمسارعة إلى جماعة العشاء والفجر وسيأتي الكلام على ذلك ويدل على جواز تسمية العشاء بالعتمة وقد ورد من حديث عائشة عند البخاري بلفظ: (أعتم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالعتمة) ومن حديث جابر عند البخاري أيضًا بلفظ: (صلى لنا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليلة صلاة العشاء وهي التي تدعو الناس العتمة) ومن حديث غيرهما أيضًا. وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر الآتي فقال النووي وغيره: الجواب عن حديث أبي هريرة من وجهين: أحدهما إنه استعمل لبيان الجواز وإن انتهى عن العتمة للتنزيه لا للتحريم. والثاني إنه يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه أو استعمل لفظ العتمة لأنه أشهر عند العرب وإنما كانوا يطلقون العشاء على المغرب كما في صحيح البخاري ومسلم بلفظ: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب قال: والأعراب تقول هي العشاء) وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه. وقيل إن النهي عن التسمية العتمة عتمة ناسخ للجواز وفيه إنه يحتاج في مثل ذلك إلى معرفة التاريخ والعلم بتأخر حديث المنع. قال الحافظ في الفتح: ولا يبعد أن ذلك كان جائزًا فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلدفع الالتباس بالمغرب واللَّه أعلم اهـ. 2 - وعن ابن عمر قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل). رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. وفي رواية لمسلم: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب اللَّه العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل). الحديث أخرج نحوه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن قاله الحافظ. وأخرج نحوه أيضًا البيهقي وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن عوف كذلك زاد الشافعي في روايته في حديث ابن عمر وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب. وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال له ميمون بن مهران: من أول من سمى العشاء العتمة قال: الشيطان. والحديث يدل على كراهة تسمية العشاء بالعتمة وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر وجماعة من السلف ومنهم من قال بالجواز وقد نقله ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق وغيره ومنهم من جعله خلاف الأولى وقد نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي واختاره. قال الحافظ: وهو الراجح واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة المتقدم وقد تقرر أن جواز المصير إلى الترجيح مشروط بتعذر الجمع ولم يتعذر ههنا كما عرفت في شرح الحديث الأول. قوله: (يعتمون) قد تقدم تفسير ذلك في باب وقت صلاة العشاء.
قد تقدم بيان وقتها في غير حديث. 1 - وعن عائشة قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس). رواه الجماعة. وللبخاري (ولا يعرف بعضهن بعضًا). قوله: (نساء المؤمنات) صورته صورة إضافة الشيء إلى نفسه واختلف في تأويله وتقديره: فقيل تقديره نساء الأنفس المؤمنات وقيل نساء الجماعات المؤمنات وقيل إن نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم. وقوله: (كن) قال الكرماني: هو مثل أكلوني البراغيث لأن قياسه الإفراد وقد جمع. قوله: (متلفعات) هو بالعين المهملة بعد الفاء أي متجللات ومتلففات. والمروط جمع مرط بكسر الميم الأكسية المعلمة من خز أو صوف أو غير ذلك. قوله: (لا يعرفهن أحد) قال الداودي: معناه ما يعرفن أنساء هن أم رجال. وقيل لا يعرف أعيانهن قال النووي: وهذا ضعيف لأن المتلفعة في النهار أيضًا لا يعرف عنها فلا يبقى في الكلام فائدة وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان ولو كان المراد الأول لعبر عنه نفي العلم. قال الحافظ: وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى. قال الباجي: وهذا يدل على أنهن كن سافرات [وفيه نظر إذ معنى لا يعرفن لا يميزن من الرجال لسواد الليل وحلوكه فلا يدل على ما ذكر بل الأخبار ترده]. إذ لو كن متقنعات لكان المانع من المعرفة تغطيتهن لا التغليس. قوله: (من الغلس) من ابتدائية أو تعليلية ولا معارضة بين هذا وبين حديث أبي برزة إنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد وذاك إخبار عن رؤية الجليس. والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة الفجر في أول الوقت وقد اختلف العلماء في ذلك فذهبت العترة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والأوزاعي وداود بن علي وأبو جعفر الطبري وهو المروي عن عمر وعثمان وابن الزبير وأنس وأبي موسى وأبي هريرة إلى أن التغليس أفضل وأن الإسفار غير مندوب. وحكى هذا القول الحازمي عن بقية الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري وأهل الحجاز واحتجوا بالأحاديث المذكورة في هذا الباب وغيرها ولتصريح أبي مسعود في الحديث الآتي بأنها كانت صلاة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم التغليس حتى مات ولم يعد إلى الإسفار. وذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأكثر العراقيين وهو مروي عن علي عليه السلام وابن مسعود إلى أن الإسفار أفضل. واحتجوا بحديث (أسفروا بالفجر) وسيأتي ونحوه. وقد أجاب القائلون بالتغليس عن أحاديث الإسفار بأجوبة: منها أن الإسفار التبين والتحقق فليس المراد إلا تبين الفجر وتحقق طلوعه ورد بما أخرجه ابن أبي شيبة وإسحاق وغيرهما بلفظ: (ثوب بصلاة الصبح يا بلال حين يبصر القوم مواقع نبلهم من الإسفار) ومنها أن الأمر بالإسفار في الليالي المقمرة فإنه لا يتحقق فيها الفجر إلا بالاستظهار في الإسفار. وذكر الخطابي إنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبًا للثواب فقيل لهم صلوا بعد الفجر الثاني وأصبحوا بها فإنه أعظم لأجركم فإن قيل لو صلوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر فالجواب إنهم يؤجرون على نيتهم وإن لم تصح صلاتهم لقوله إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر. وقال أبو جعفر الطحاوي: إنما يتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم في صلاة الصبح مغلسًا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرًا وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس ولو قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالسور الطوال ما انصرف إلا وهم قد أسفروا ودخلوا في الإسفار جدًا ألا ترى إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه حين قرأ البقرة في ركعتي الصبح قيل له كادت الشمس تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. 2 - وعن أبي مسعود الأنصاري: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر). رواه أبو داود. الحديث رجاله في سنن أبي داود رجال الصحيح وأصله في الصحيحين والنسائي وابن ماجه ولفظه: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس وربما أخرها حين اشتد الحر ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس ويصلي المغرب حين تسقط الشمس ويصلي العشاء حين يسود الأفق وربما أخرها حتى يجتمع الناس وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر) ولم يذكر رؤيته لصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا أبو داود قال المنذري: وهذه الزيادة في قصة الإسفار رواتها عن آخرهم ثقات والزيادة من الثقة مقبولة اهـ. وقال الخطابي: هو صحيح الإسناد وقال ابن سيد الناس: إسناده حسن. قوله: (فأسفر بها) قال في القاموس: سفر الصبح يسفر أضاء وأشرق اهـ. والغلس بقايا الظلام وقد مر تفسيره. والحديث يدل على استحباب التغليس وأنه أفضل من الإسفار ولولا ذلك لما لازمه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى مات وبذلك احتج من قال باستحباب التغليس وقد مر ذكر الخلاف في ذلك وكيفية الجمع بين الأحاديث. 3 - وعن أنس عن زيد بن ثابت قال: (تسحرنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت: كم كان مقدار ما بينهما قال: قدر خمسين آية). متفق عليه. الحديث أخرجه ابن حبان والنسائي عن أنس قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: يا أنس إني أريد الطعام أطعمني شيئًا فجئته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال قال: يا أنس انظر رجلًا يأكل معي فدعوت زيد بن ثابت فجاء فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة). الحديث يدل أيضًا على استحباب التغليس وأن أول وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة وهي قراءة الخمسين آية هي مقدار الوضوء فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر. 4 - عن رافع بن خديج قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر). رواه الخمسة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والطبراني قال الحافظ في الفتح: وصححه غير واحد قال: وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس وقد احتج به من قال بمشروعية الإسفار وقد تقدم الكلام عليه وعلى الجمع بينه وبين أحاديث التغليس وقد تقرر في الأصول أن الخطاب الخاص بنا لا يعارضه فعل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والأمر بالإسفار لا يشمل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا على طريق النصوصية ولا الظهور فملازمته للتغليس وموته عليه لا تقدح في مشروعية الإسفار للأمة لولا أنه فعل ذلك وفعله معه الصحابة لكان ذلك مشعرًا بعدم الاختصاص به فلا بد من المصير إلى التأويل كما سبق. 5 - وعن ابن مسعود قال: (ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها). متفق عليه. ولمسلم: (قبل وقتها بغلس) ولأحمد والبخاري عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (خرجت مع عبد اللَّه فقدمنا جمعًا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة وتعشى بينهما ثم صلى حين طلع الفجر. قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع ثم قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء ولا يقدم الناس جمعًا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة). قوله: (بجمع) بجيم مفتوحة فميم ساكنة فعين مهملة وهي المزدلفة ويوم جمع يوم عرفة وأيام جمع أيام منى أفاده القاموس. وإنما سميت المزدلفة جمعًا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا منها. وروي عن قتادة أنه قال: إنما سميت جمعا لأنه يجمع فيها بين الصلاتين وقيل وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى اللَّه أي يتقربون إليه بالوقوف فيها وقيل غير ذلك. قوله: (حتى يعتموا) أي يدخلوا في العتمة وقد تقدم بيانها وتمام حديث ابن مسعود في البخاري بعد قوله وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال يعني ابن مسعود: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر انتهى. والحديث استدل به من قال باستحباب الإسفار لأن قوله قبل ميقاتها قد بين في رواية مسلم أنه في وقت الغلس فدل على أن ذلك الوقت أعني وقت الغلس متقدم على ميقات الصلاة المعروف عند ابن مسعود فيكون ميقاتها المعهود هو الإسفار لأنه الذي يتعقب الغلس فيصلح ذلك للاحتجاج به على الإسفار وقد تقدم الكلام على ذلك. 6 - وعن أبي الربيع قال: (كنت مع ابن عمر فقلت له: إني أصلي معك ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم أحيانًا تسفر فقال: كذلك رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصليها). رواه أحمد. الحديث في إسناده أبو الربيع المذكور. قال الدارقطني: مجهول وهو من جملة ما تمسك به القائلون باستحباب الإسفار لأن ابن عمر كان يسفر بعد موته صلى اللَّه عليه وسلم فلو كان منسوخًا لما فعله ولا يخفاك أن غاية ما فيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان أحيانًا يغلس وأحيانًا يسفر وهذا لا يدل على أن الإسفار أفضل من التغليس إنما يدل على أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فعل الأمرين وذلك مما لا نزاع فيه إنما النزاع في الأفضل وفعل ابن عمر لا يدل على عدم النسخ المتنازع فيه وهو نسخ الفضيلة لما سلف إنما يدل على عدم نسخ الجواز وذلك أمر متفق عليه. 7 - وعن معاذ بن جبل قال: (بعثني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى اليمن فقال: يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوا). رواه الحسين بن مسعود البغوي في شرح السنة وأخرجه بقي بن مخلد في مسنده المصنف. الحديث أخرجه أيضًا أبو نعيم في الحلية كما قال السيوطي في الجامع الكبير وفيه التفرقة بين زمان الشتاء والصيف في الإسفار والتغليس معللًا بتلك العلة المذكورة في الحديث ولكنه لا يعارض أحاديث التغليس لما في حديث أبي مسعود السابق من التصريح بملازمته صلى اللَّه عليه وآله وسلم للتغليس حتى مات فكان آخر الأمرين منه وهذا الحديث ظاهر في التقدم لما فيه من التاريخ بخروج معاذ إلى اليمن فلا بد من تأويله بما تقدم.
1 - عن أبي هريرة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر). رواه الجماعة وللبخاري: (إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته). 2 - وعن عائشة قالت: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها). رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. والسجدة هنا الركعة. قوله: (فقد أدرك) قال النووي: أجمع المسلمون على أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركًا لكل الصلاة وتكفيه وتحصل الصلاة بهذه الركعة بل هو متأول وفيه إضمار تقديره فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها انتهى. وقيل يحمل على أنه أدرك الوقت. قال الحافظ: وهذا قول الجمهور وفي رواية من حديث أبي هريرة: (من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس وصلى ما بقي بعد غروب الشمس لم تفته العصر) وقال مثل ذلك في الصبح. وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة أيضًا: (فليتم صلاته) وللنسائي: (فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته) وللبيهقي: (فليصل إليها أخرى) ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحو ذلك وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة وهو مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة قال الترمذي: وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وخالف أبو حنيفة فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته واحتج في ذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث. قال الحافظ: وهي دعوى تحتاج إلى دليل وأنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل انتهى. قلت: وهذا أيضًا جمع بما يوافق مذهب الحافظ والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص ولا يجوز في ذلك الوقت شيء من الصلوات إلا بدليل يخصه سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا للوقت وأن صلاته تكون قضاء وإليه ذهب الجمهور وقال البعض: أداء. والحديث يرده واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة كالحائض تطهر والمجنون يعقل والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم دون ركعة من وقتها هل تجب عليه الصلاة أم لا وفيه قولان للشافعي أحدهما لا تجب وروي عن مالك عملًا بمفهوم الحديث وأصحهما عن أصحاب الشافعي أنها تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه أدرك جزءًا من الوقت فاستوى قليله وكثيره وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد وأما إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق بينهم ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين. والحديث يدل على أن الصلاة التي أدركت منها ركعة قبل خروج الوقت أداء لا قضاء وفي ذلك إشكالات عند أئمة الأصول. قوله: (سجدة) المراد بها الركعة كما ذكره المصنف ومسلم في صحيحه وقد ثبت عند الإسماعيلي بلفظ ركعة مكان سجدة فدل على أن الاختلاف في اللفظ وقع من الرواة وقد ثبت أيضًا عند البخاري من طريق مالك بلفظ: (من أدرك ركعة) قال الحافظ: ولم يختلف على راويها في ذلك فكان عليها الاعتماد قال الخطابي: المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها بسجودها فسميت على هذا سجدة انتهى. وإدراك الركعة قبل خروج الوقت لا يخص صلاة الفجر والعصر لما ثبت عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهو أعم من حديث الباب. قال الحافظ: ويحتمل أن تكون اللام عهدية ويؤيده أن كلًا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك يعني حديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد انتهى. ويمكن أن يقال إن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص ذلك الحكم بالفجر والعصر وهذا الحديث دل بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك والمنطوق أرجح من المفهوم فيتعين المصير إليه ولاشتماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد. قال النووي: وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت انتهى. وقد قدمنا الكلام على اختصاص هذا الوقت بالمضطرين في أوائل الأوقات فارجع إليه. 3 - وعن أبي ذر: (قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة أو يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت: فما تأمرني قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة) في رواية (فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل) وفي أخرى (فإن أدركتك يعني الصلاة معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي). رواه أحمد ومسلم والنسائي. قوله: (يميتون الصلاة) أي يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه والمراد بتأخيرها عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع. قوله: (فإن أدركتها) الخ معناه صل في أول الوقت وتصرف في شغلك فإن صادفتهم بعد ذلك وقد صلوا أجزأتك صلاتك وإن أدركت الصلاة معهم فصل معهم وتكون هذه الثانية لك نافلة. الحديث يدل على مشروعية الصلاة لوقتها وترك الإقتداء بالأمراء إذا أخروها عن أول وقتها وإن المؤتم يصليها منفردًا ثم يصليها مع الإمام فيجمع بين فضيلة أول الوقت وطاعة الأمير. ويدل على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفتنة ولهذا ورد في الرواية الأخرى (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدع الأطراف). وقوله: (فإنها لك نافلة) صريح أن الفريضة الأولى والنافلة الثانية. وقد اختلف في الصلاة التي تصلى مرتين هل الفريضة الأولى أو الثانية فذهب الهادي والأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الفريضة الثانية إن كانت في جماعة والأولى في غير جماعة وذهب المؤيد باللَّه والإمام يحيى وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن الفريضة الأولى وعن بعض أصحاب الشافعي أن الفرض أكملهما. وعن بعض أصحاب الشافعي أيضًا أن الفرض أحدهما على الإبهام فيحتسب اللَّه بأيتهما شاء. وعن الشعبي وبعض أصحاب الشافعي أيضًا كلاهما فريضة. - احتج الأولون - بحديث يزيد بن عامر عند أبي داود مرفوعًا وفيه: (فإذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم وإن كنت صليت ولتكن لك نافلة) وهذه مكتوبة. ورواه الدارقطني بلفظ: (وليجعل التي صلى في بيته نافلة) وأجيب بأنها رواية شاذة مخالفة لرواية الحفاظ الثقات كما قال البيهقي وقد ضعفها النووي وقال الدارقطني: هي رواية ضعيفة شاذة. واستدل القائلون بأن الفريضة هي الأولى سواء كانت جماعة أو فرادى بحديث يزيد بن الأسود عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن بلفظ: (شهدت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذ هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال: عليَّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال: ما منعكما أن تصليا معنا فقالا: يا رسول اللَّه إنا كنا صلينا في رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى. قال الحافظ: يعلى من رجال مسلم وجابر وثقه النسائي وغيره وقال: وقد وجدنا لجابر راويًا غير يعلى أخرجه ابن منده في المعرفة. ومن حجج أهل القول الثاني حديث الباب فإنه صريح في المطلوب ولأن تأدية الثانية بنية الفريضة يستلزم أن يصلي في يوم مرتين وقد ورد النهي عنه من حديث ابن عمر مرفوعًا: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان. وأما جعله مخصصًا بما يحدث فيه فضيلة فدعوى عاطلة عن البرهان وكذا حمله على التكرير لغير عذر. وفي الحديث دليل على أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر وسائر الصلوات لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أطلق الأمر بالإعادة ولم يفرق بين صلاة وصلاة فيكون مخصصًا لحديث لا صلاة بعد العصر وبعد الفجر ولأصحاب الشافعي وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر تمسكًا بعموم حديث (لا صلاة) ووجه أنه لا يعيد بعد المغرب لئلا تصير شفعًا. قال النووي: وهو ضعيف. قلت: وكذلك الوجه الأول لأن الخاص مقدم على العام وهم يوجبون بناء العام على الخاص مطلقًا كما تقرر في الأصول لهم واحتج من قال بأنهما فريضة بعدم المخصص بالاعتداد بأحدهما ورد بحديث: (لا ظهران في يوم) وحديث: (لا تصلى صلاة في يوم مرتين). 4 - وعن عبادة بن الصامت: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها فقال رجل: يا رسول اللَّه أصلي معهم فقال: نعم إن شئت). رواه أبو داود وأحمد بنحوه. وفي لفظ: (واجعلوا صلاتكم معهم تطوعًا). الحديث رجال إسناده في سنن أبي داود ثقات وقد أخرجه أيضًا ابن ماجه وسكت أبو داود والمنذري عن الكلام عليه وقد عرفت ما أسلفناه عن ابن الصلاح والنووي وغيرهما من صلاحية ما سكت عنه أبو داود للاحتجاج. وحديث أبي ذر الذي قبله يشهد لصحته. وفيه دليل على وجوب تأدية الصلاة لوقتها وترك ما عليه أمراء الجور من التأخير وعلى استحباب الصلاة معهم لأن الترك من دواعي الفرقة وعدم الوجوب لقوله في هذا الحديث: (إن شئت) وقوله: (تطوعًا) وقد تقدم الكلام على فقه الحديث قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وفيه دليل لمن رأى المعادة نافلة ولمن لم يكفر تارك الصلاة ولمن أجاز إمامة الفاسق انتهى. استنبط المؤلف من هذا الحديث والذي قبله ثلاثة أحكام وقد تقدم الكلام على الأول منها في شرح حديث أبي ذر وعلى الثاني في أول كتاب الصلاة وأما الثالث فلعله يأتي الكلام عليه إن شاء اللَّه تعالى في الجماعة. والحق جواز الائتمام بالفاسق لأن الأحاديث الدالة على المنع كحديث: (لا يؤمنكم ذو جراءة في دينه) وحديث: (لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمنًا) ونحوهما ضعيفة لا تقوم بها حجة وكذلك الأحاديث الدالة على جواز الائتمام بالفاسق كحديث: (صلوا مع من قال لا إله إلا اللَّه) وحديث: (صلوا خلف كل بر وفاجر) ونحوهما ضعيفة أيضًا ولكنها متأيدة بما هو الأصل الأصيل وهو أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره فلا تنتقل عن هذا الأصل إلى غيره إلا لدليل ناهض وقد جمعنا في هذا البحث رسالة مستقلة وليس المقام مقام بسط الكلام في ذلك.
|